هل تساءلت يومًا كيف يمكن لرؤية مستثمر واحد أن تغيّر خريطة السياحة في مصر والعالم؟ إنها قصة سميح ساويرس، رجل الأعمال الذي لم يكتفِ بالنجاح المالي، بل جعل من الاستثمار في السياحة وسيلة لإعادة تعريف مفهوم المدن السياحية على مستوى عالمي. من الجونة على ساحل البحر الأحمر إلى مشروعاته الدولية، تحوّل تأثيره إلى علامة فارقة في تطوير السياحة في مصر والعالم. في هذه المقالة، سنكشف كيف استطاع سميح ساويرس المزج بين الابتكار والجرأة، ليكتب فصلًا جديدًا في تاريخ الاستثمار السياحي.
سميح ساويرس والاستثمار في السياحة | قصة نجاح وبناء منتجعات عالمية
منذ سنوات، أصبح اسم سميح ساويرس مرادفًا للابتكار والريادة في عالم الاستثمار السياحي. لم يتعامل مع السياحة كقطاع ترفيهي فقط، بل كقوة اقتصادية قادرة على جذب الاستثمارات الأجنبية وتوفير فرص عمل، وهو ما جعله واحدًا من أبرز رجال الأعمال الذين تركوا بصمة واضحة في هذا المجال.
![]() |
كيف غيّر سميح ساويرس وجه السياحة في مصر والعالم؟ |
لم تكن مشاريعه مجرد منتجعات سياحية تقليدية، بل مدن متكاملة تعكس رؤية جديدة لـ تطوير السياحة في مصر. مدينة الجونة على البحر الأحمر تعد نموذجًا حيًا لهذه الرؤية، حيث جمعت بين التخطيط العمراني الحديث، والخدمات العالمية، والأنشطة الثقافية والرياضية، مما جعلها وجهة سياحية معروفة عالميًا.
امتد تأثيره إلى خارج الحدود المصرية من خلال شراكات ومشروعات في أوروبا والشرق الأوسط، ليؤكد أن الاستثمار في السياحة يمكن أن يكون جسرًا للتواصل الحضاري والاقتصادي مع العالم. وهكذا تحولت قصة سميح ساويرس إلى مثال ملهم على كيفية دمج النجاح المالي مع بناء منتجعات عالمية تعزز مكانة مصر على خريطة السياحة الدولية.
من هو سميح ساويرس؟ السيرة الذاتية وبداية مشواره في عالم الأعمال
يُعد سميح ساويرس واحدًا من أبرز رجال الأعمال المصريين الذين تركوا بصمة واضحة في مجالات الاستثمار والتنمية السياحية. وُلِد في عام 1957، وهو نجل المهندس المصري المعروف أنسي ساويرس، مؤسس مجموعة "أوراسكوم" العملاقة. نشأ سميح في بيئة تهتم بريادة الأعمال والاستثمار، الأمر الذي ساعده على تكوين خبرة مبكرة في عالم المال والأعمال.
بعد حصوله على شهادة في الهندسة الميكانيكية من إحدى الجامعات الألمانية، بدأ خطواته العملية في قطاع المقاولات والإنشاءات ضمن مجموعة عائلته. لكنه لم يكتفِ بالسير على خطى والده فقط، بل اتجه نحو تطوير مشروعات ذات طابع مختلف، حيث رأى في الاستثمار في السياحة فرصة كبيرة لتعزيز الاقتصاد المصري وإبراز مقومات مصر الطبيعية.
من هنا، انطلقت مسيرته الفعلية في عالم الأعمال؛ إذ ركّز على تأسيس منتجعات سياحية متكاملة، تجمع بين الرفاهية والأنشطة الاقتصادية والثقافية. هذه البداية القوية جعلت اسمه يرتبط بمشروعات كبرى مثل مدينة الجونة على ساحل البحر الأحمر، التي تحولت لاحقًا إلى أيقونة سياحية عالمية.
كيف بدأ سميح ساويرس الاستثمار في السياحة والفنادق؟
دخل سميح ساويرس عالم الاستثمار في السياحة والفنادق من خلال رؤية واضحة تقوم على استغلال المقومات الطبيعية لمصر وتحويلها إلى وجهات سياحية عالمية. البداية كانت في الثمانينيات، حين أدرك أن سواحل البحر الأحمر تملك فرصًا هائلة غير مستغلة، فقرر أن يؤسس مشروعات سياحية متكاملة بدلًا من إنشاء فنادق منفردة.
عام 1989، أطلق مشروعه الأشهر مدينة الجونة بالقرب من الغردقة، التي لم تكن وقتها سوى أرض صحراوية على شاطئ البحر. اعتمدت فكرته على إنشاء مجتمع عمراني متكامل يضم فنادق ومنتجعات عالمية المستوى، إضافة إلى موانئ لليخوت وملاعب جولف ومراكز للأنشطة البحرية والثقافية. هذه الرؤية جعلت المشروع يتفوق على النموذج التقليدي للفنادق، ليصبح وجهة سياحية متكاملة يقصدها الزوار من مختلف أنحاء العالم.
بجانب الجونة، استمر ساويرس في توسيع نشاطه السياحي عبر شركة أوراسكوم للتنمية السياحية، التي أنشأت وأدارت العديد من الفنادق والمنتجعات داخل مصر وخارجها. بهذا النهج، لم يقتصر دوره على بناء أماكن للإقامة، بل ساهم في وضع مصر على خريطة السياحة العالمية من خلال تطوير وجهات متكاملة تواكب المعايير الدولية.
مشروع الجونة | كيف تحولت الصحراء إلى وجهة سياحية عالمية؟
يُعد مشروع الجونة أبرز إنجازات سميح ساويرس في مجال الاستثمار السياحي، حيث انطلق في أواخر الثمانينيات بفكرة جريئة تمثلت في تحويل منطقة صحراوية على ساحل البحر الأحمر إلى مجتمع سياحي متكامل. في ذلك الوقت، لم تكن المنطقة سوى أراضٍ جرداء بعيدة عن أي مراكز عمرانية، لكن رؤية ساويرس كانت مختلفة، إذ رأى فيها مستقبلًا واعدًا للسياحة المصرية.
اعتمدت خطة الجونة على بناء منتجع متكامل يجمع بين الفنادق العالمية، والفلل السكنية، والموانئ المجهزة لليخوت، إضافة إلى شواطئ منظمة ومرافق للأنشطة البحرية مثل الغوص وركوب الأمواج. لم يتوقف المشروع عند الجانب الترفيهي فقط، بل شمل إنشاء مدارس، مراكز طبية، ملاعب جولف، ومناطق ثقافية وفنية، ليصبح مجتمعًا متكاملًا وليس مجرد منتجع سياحي.
اليوم، تُعرف الجونة بأنها "البندقية المصرية" بسبب قنواتها المائية وبنيتها المعمارية المميزة. وقد تحولت إلى وجهة سياحية عالمية تستقطب الزوار من مختلف أنحاء العالم، إضافة إلى استضافتها فعاليات كبرى مثل مهرجان الجونة السينمائي، الذي ساهم في تعزيز مكانتها على الخريطة السياحية الدولية. هذا المشروع يُعد مثالًا حيًا على كيفية الجمع بين الرؤية الاستثمارية والابتكار العمراني لإحداث نقلة نوعية في قطاع السياحة المصري.
أبرز استثمارات سميح ساويرس السياحية خارج مصر
لم يقتصر نشاط سميح ساويرس على الاستثمار في السياحة داخل مصر فقط، بل امتد ليشمل وجهات عالمية، مما عزز مكانته كواحد من أبرز رجال الأعمال في قطاع السياحة الدولية. عبر شركته أوراسكوم للتنمية القابضة، نجح في بناء مشروعات سياحية متكاملة في عدة دول، موجهًا خبراته في تطوير المنتجعات إلى أسواق جديدة.
- من أبرز هذه الاستثمارات:
- سويسرا – أندرمات (Andermatt): مشروع ضخم لتطوير مدينة سياحية جبلية تشمل فنادق فاخرة، شاليهات، ملاعب جولف، ومرافق للرياضات الشتوية. هذا المشروع أعاد إحياء المنطقة وجعلها وجهة أوروبية مميزة.
- الإمارات – رأس الخيمة: شارك في تطوير منتجعات سياحية على الشاطئ، مع التركيز على جذب السياح الباحثين عن تجربة فاخرة ومتكاملة.
- عُمان – صلالة: ساهم في مشروع سياحي يجمع بين الطبيعة الخلابة والمرافق الحديثة لتعزيز السياحة في سلطنة عمان.
- مونتينيغرو (الجبل الأسود): استثمارات في منتجعات بحرية تهدف إلى جذب السياح الأوروبيين.
هذه الخطوات لم تكن مجرد توسع جغرافي، بل استراتيجية مدروسة تهدف إلى جعل استثمارات سميح ساويرس السياحية علامة عالمية، تجمع بين الجودة والابتكار، وتضعه في مصاف كبار المستثمرين في قطاع السياحة والفنادق على مستوى العالم.
كيف يساهم الاستثمار السياحي في دعم الاقتصاد المصري؟
يُعتبر الاستثمار السياحي أحد المحركات الرئيسية للاقتصاد المصري، نظرًا للدور الكبير الذي يلعبه في خلق فرص العمل، وجذب العملة الصعبة، وتحفيز الأنشطة الاقتصادية المرتبطة به. ومع مشروعات كبرى مثل تلك التي أطلقها سميح ساويرس، أصبح تأثير هذا القطاع أكثر وضوحًا على مستويات متعددة.
- أهم أوجه مساهمة الاستثمار السياحي في دعم الاقتصاد المصري:
- زيادة إيرادات الدولة: السياحة تمثل مصدرًا أساسيًا للعملة الأجنبية، ما يساعد في تحسين ميزان المدفوعات ودعم الاحتياطي النقدي.
- خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة: الفنادق والمنتجعات تحتاج إلى آلاف العاملين، كما تدعم وظائف أخرى في مجالات النقل، المطاعم، التسوق، والخدمات اللوجستية.
- تنشيط الصناعات المرتبطة: مثل البناء والتشييد، الزراعة لتوريد الأغذية، والصناعات الحرفية التقليدية التي تُباع للسياح.
- جذب استثمارات أجنبية جديدة: نجاح مشروعات مثل الجونة أو طابا هايتس يعطي ثقة للمستثمرين العالميين في السوق المصري.
- تعزيز صورة مصر عالميًا: التطوير السياحي يحول الوجهات المحلية إلى علامات تجارية عالمية، مما يزيد من الإقبال الدولي على زيارتها.
إذن، لا يقتصر دور الاستثمار السياحي على بناء المنتجعات والفنادق، بل يتعداه إلى كونه ركيزة أساسية في تطوير الاقتصاد المصري وتحقيق نمو مستدام ينعكس على مختلف القطاعات.
تحديات الاستثمار السياحي التي واجهها سميح ساويرس وكيف تجاوزها
لم يكن طريق سميح ساويرس في عالم الاستثمار السياحي مفروشًا بالورود، بل واجه العديد من العقبات التي هددت استمرارية مشروعاته داخل مصر وخارجها. ومع ذلك، استطاع تحويل هذه التحديات إلى فرص عززت خبرته ورسخت مكانته كأحد أبرز رواد تطوير السياحة في المنطقة.
- أبرز التحديات التي واجهها:
- البيئة الصحراوية القاسية: بداية مشروع الجونة كانت في منطقة خالية من البنية التحتية، ما تطلب استثمارات ضخمة في الكهرباء والمياه والطرق قبل حتى التفكير في بناء الفنادق والمنتجعات.
- التقلبات السياسية والاقتصادية: الاضطرابات التي مرت بها مصر أثرت على معدلات السياحة، لكن ساويرس عمل على تنويع استثماراته في دول أخرى لضمان الاستقرار.
- جذب السياح الدوليين: في بداية التسعينيات، لم يكن البحر الأحمر معروفًا عالميًا، ما تطلب حملات ترويجية ضخمة واستضافة فعاليات كبرى مثل مهرجان الجونة السينمائي لتسليط الضوء على الوجهة.
- المنافسة العالمية: الأسواق السياحية الكبرى مثل دبي وتركيا كانت تقدم تجارب متطورة، وهو ما دفعه إلى تطوير نموذج مختلف قائم على "المدن السياحية المتكاملة" وليس مجرد فنادق.
- كيف تغلب عليها؟
- اعتمد على رؤية طويلة الأمد تقوم على بناء مجتمعات سياحية شاملة بدلًا من مشروعات قصيرة المدى.
- استثمر في البنية التحتية بنفسه لضمان نجاح مشروعاته.
- وسّع استثماراته إلى الخارج (سويسرا، الإمارات، عمان) لتقليل المخاطر.
- ركّز على التسويق الدولي والشراكات مع شركات سياحة كبرى لوضع مشروعاته على الخريطة العالمية.
بفضل هذه الاستراتيجيات، تحولت التحديات إلى خطوات نجاح، وأصبح سميح ساويرس نموذجًا يحتذى به في كيفية مواجهة العقبات وصناعة مستقبل جديد للسياحة.
أهم الدروس المستفادة من تجربة سميح ساويرس في الاستثمار السياحي
تُعد تجربة سميح ساويرس في مجال الاستثمار في السياحة نموذجًا ملهمًا لرواد الأعمال والمستثمرين في مصر والعالم. فنجاحه لم يأتِ من المصادفة، بل من مزيج من الرؤية الواضحة، الجرأة في اتخاذ القرارات، والقدرة على تحويل التحديات إلى فرص.
- ومن هذه التجربة يمكن استخلاص مجموعة من الدروس المهمة:
- الرؤية بعيدة المدى تصنع الفارق: الاستثمار السياحي يحتاج إلى خطط طويلة الأمد، كما فعل ساويرس عند تحويل الصحراء في البحر الأحمر إلى مدينة الجونة.
- الابتكار أساس التميز: التوجه نحو إنشاء "مدن سياحية متكاملة" بدلًا من فنادق تقليدية، جعل مشروعاته مختلفة وأكثر جذبًا للسياح.
- الاستثمار في البنية التحتية أولًا: لا يمكن أن ينجح أي مشروع سياحي بدون أساس قوي من خدمات ومرافق، وهو ما طبقه ساويرس في جميع مشروعاته.
- تنويع الاستثمارات يقلل المخاطر: من خلال التوسع خارج مصر، ضمن استقرار أعماله حتى في فترات الأزمات المحلية.
- التسويق الدولي وبناء الهوية السياحية: الاهتمام بالفعاليات الكبرى مثل مهرجان الجونة السينمائي ساعد في وضع مصر على الخريطة العالمية للسياحة.
قصة سميح ساويرس مع الاستثمار في السياحة تعد مثالاً ملهمًا على كيفية تحويل الأفكار إلى مشاريع ناجحة تسهم في تنمية الاقتصاد وجذب السياحة. من خلال رؤيته الاستراتيجية وجرأته في اتخاذ القرارات، أثبت أن الاستثمار في السياحة يمكن أن يكون بوابة لتحقيق نجاحات كبيرة وفرص مستقبلية واعدة.