تُعد قصة ماجد الفطيم مثالًا حيًا على أن الطموح والإصرار يمكن أن يصنعا إمبراطورية تجارية غيّرت ملامح الاقتصاد الإماراتي والعربي. بدأ خطواته الأولى في عالم التجارة بموارد محدودة، لكنه استطاع خلال سنوات قليلة أن يُطلق مشاريع كبرى مثل "مول الإمارات" و"كارفور الشرق الأوسط"، ويصبح من أبرز رجال الأعمال في الإمارات. في هذه المقالة، نأخذك في رحلة ملهمة داخل محطات النجاح والتحديات التي واجهها ماجد الفطيم في طريقه نحو القمة.
من البدايات إلى المليارات | سر نجاح ماجد الفطيم
في عالم المال والأعمال، قلما نجد قصة صعود تُلهم الأجيال كما فعلت قصة ماجد الفطيم، رجل الأعمال الإماراتي الذي بدأ من الصفر وتمكّن من بناء واحدة من أكبر الإمبراطوريات التجارية في الشرق الأوسط. لم تكن بدايته استثنائية، بل كانت متواضعة كأي شاب يسعى لإثبات ذاته في بيئة تجارية لا ترحم، لكن ما ميّزه هو رؤيته الثاقبة وقدرته على تحويل التحديات إلى فرص نمو حقيقية.
![]() |
قصة ماجد الفطيم | من تاجر بسيط إلى إمبراطور الاقتصاد |
عبر سنوات من العمل الدؤوب والتخطيط الاستراتيجي، استطاع ماجد الفطيم أن ينتقل من إدارة أعمال عائلية بسيطة إلى تأسيس شركات عملاقة تُغيّر وجه الاقتصاد الإماراتي. لم يكتفِ بتحقيق الأرباح، بل كان طموحه دائمًا مرتبطًا بإحداث تأثير طويل المدى في حياة الناس من خلال تطوير مراكز تسوق متكاملة، وخلق آلاف فرص العمل، وإدخال مفاهيم جديدة في عالم التجزئة والترفيه.
هذه الرحلة الملهمة لم تكن محض صدفة أو ضربة حظ، بل كانت نتيجة مزيج فريد من الجرأة، والتفكير الابتكاري، والانضباط في اتخاذ القرار. في هذا المقال، نكشف لك أسرار النجاح التي وقفت وراء هذا التحول الكبير، ونتتبع الخطوات التي اتبعها ماجد الفطيم ليصبح رمزًا للريادة الاقتصادية في الإمارات والعالم العربي.
من هو ماجد الفطيم؟ سيرة رجل الأعمال الإماراتي وبداية مشواره التجاري
يُعتبر ماجد الفطيم واحدًا من أبرز رجال الأعمال في دولة الإمارات العربية المتحدة، وقد ترك بصمة واضحة في عالم المال والتجزئة والترفيه على مستوى المنطقة. وُلد في مدينة دبي في خمسينيات القرن الماضي، ونشأ في بيئة محافظة تحترم القيم التجارية، حيث كان والده يعمل في تجارة الأقمشة، مما ساعده على تعلّم أسس التجارة منذ سن مبكرة.
استهل ماجد الفطيم مسيرته المهنية من خلال العمل في تجارة العائلة، لكنه لم يلبث أن اتخذ قراره بالانفصال عنها، مدفوعًا بشغفه بالابتكار ورؤيته المستقبلية. وقد اتسم بطموح لافت واهتمام مبكر بمفاهيم تجارية حديثة لم تكن رائجة في السوق المحلي آنذاك، مثل مراكز التسوق المتكاملة ونظام الامتياز التجاري للمتاجر الكبرى.
لم يكن مجرد رجل أعمال يبحث عن الربح، بل كان صاحب رؤية تهدف إلى تطوير البنية الاقتصادية وتقديم تجارب استثنائية للمستهلكين. من هذه الرؤية، انطلقت أولى خطواته نحو تأسيس شركات ومشروعات ضخمة جعلت اسمه اليوم مرادفًا للنجاح والإلهام في عالم ريادة الأعمال الإماراتية.
بداية ماجد الفطيم في عالم الأعمال | من تجارة العائلة إلى الريادة
بدأ ماجد الفطيم مشواره المهني من قلب الأعمال العائلية في دبي، حيث انخرط في تجارة الأقمشة والسلع الاستهلاكية مع والده وأشقائه. هذه البيئة العملية زوّدته بتجربة حقيقية في فهم السوق المحلي وآليات البيع والشراء، إلا أن طموحه لم يتوقف عند حدود التجارة التقليدية، بل كان يسعى دائمًا نحو ما هو أكبر وأكثر تأثيرًا.
مع مرور الوقت، أدرك أن السوق الإماراتي في حاجة إلى تطوير نوعي في تجربة التسوق والخدمات، فبدأ يفكر في إنشاء نموذج تجاري جديد يجمع بين التسوق والترفيه، وهو ما كان غير مألوف حينها. هذه الرؤية دفعته إلى اتخاذ قرار جريء بالانفصال عن أعمال العائلة، والانطلاق في طريقه الخاص، متحمّلًا كافة المخاطر المترتبة على هذا التحول الكبير.
- أولى خطواته الجادة نحو الاستقلال كانت تأسيس شركته الخاصة، التي عمل من خلالها على جلب علامات تجارية عالمية إلى السوق الإماراتي، مثل سلسلة كارفور، وتحويل مراكز التسوق من مجرد أسواق تقليدية إلى وجهات متكاملة تضم الترفيه، والضيافة، والتكنولوجيا الحديثة.
- كان هذا القرار المفصلي علامة فارقة في مسيرته، إذ انتقل بفضله من دور التاجر المحلي إلى مؤسس لإحدى أبرز المؤسسات الاقتصادية في المنطقة.
أبرز إنجازات ماجد الفطيم | توسع كارفور وبناء مراكز تسوق عالمية
قد لا يُذكر اسم ماجد الفطيم دون أن يرتبط بسلسلة متاجر كارفور الشهيرة، التي تمكّن من جلبها إلى السوق الإماراتي من خلال اتفاقية امتياز مع المجموعة الفرنسية الأم. لم يكن ذلك مجرد نجاح في توقيع شراكة عالمية، بل مثّل نقطة انطلاق نحو توسّع مذهل شمل عدة دول في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا، ليصبح الفطيم أحد أكبر مشغلي كارفور خارج فرنسا.
إلى جانب كارفور، لعب ماجد الفطيم دورًا رائدًا في تطوير مفهوم مراكز التسوق الحديثة، حيث أسس مجموعة من أشهر المولات في المنطقة، أبرزها مول الإمارات الذي يُعد من أولى المراكز التي دمجت بين التسوق والترفيه والتزلج على الجليد داخل بيئة مغلقة. تبع ذلك إطلاق مول مصر، والعديد من المشاريع الأخرى التي أعادت تعريف تجربة الزائر في مراكز التسوق.
- توسعت إنجازاته لتشمل قطاعات أخرى مثل الترفيه (فوكس سينما)، والعقارات (مجمعات سكنية وفنادق فاخرة)، والضيافة، مما ساهم في خلق آلاف فرص العمل، ودعم الاقتصاد المحلي في أكثر من 15 دولة.
- ولم تكن مشاريعه عشوائية، بل قائمة على دراسات سوق عميقة ورؤية استراتيجية طويلة المدى، جعلت من مجموعة "ماجد الفطيم القابضة" نموذجًا يُحتذى في التخطيط والإدارة.
فلسفة ماجد الفطيم في الاستثمار وإدارة المال | رؤيته للنجاح المستدام
امتلك ماجد الفطيم رؤية استثمارية بعيدة المدى، ارتكزت على مبدأ الاستثمار طويل الأجل الذي يُحقق قيمة حقيقية للمجتمع، وليس فقط أرباحًا آنية. كان يؤمن بأن بناء الثروة لا يُقاس بحجم المال وحده، بل بالتأثير الإيجابي والمستدام في الاقتصاد وحياة الناس. ولهذا السبب، ركّز على قطاعات أساسية تمس الاحتياجات اليومية وتحسّن جودة الحياة، مثل التجزئة، والترفيه، والتطوير العقاري.
في إدارة المال، اتبع ماجد الفطيم استراتيجية متوازنة بين المخاطرة المدروسة والانضباط المالي. كان دقيقًا في تحليل السوق قبل اتخاذ أي قرار، ويحرص على بناء احتياطات مالية قوية لمواجهة التحديات المستقبلية. لم يعتمد على التوسع العشوائي، بل كان يؤمن بأن النمو الحقيقي يجب أن يكون منظمًا ويعتمد على أسس تشغيلية قوية وبنية تحتية صلبة.
- إحدى أبرز سمات فلسفته الاستثمارية هي الابتكار المدعوم بالبيانات، حيث أولى اهتمامًا كبيرًا للتكنولوجيا والتحول الرقمي في قطاعاته، لضمان التفوق التنافسي واستمرارية النجاح.
- كما اعتمد على مبدأ تمكين الفرق القيادية، مؤمنًا بأن النجاح لا يُبنى بمجهود فردي، بل من خلال إدارة ذكية تعتمد على الكفاءات، وتوزيع الموارد بفعالية.
- من خلال هذه الفلسفة، استطاع ماجد الفطيم بناء كيان اقتصادي يُعد من الأبرز في الشرق الأوسط، ويواصل تأثيره حتى بعد وفاته من خلال نهج مؤسسي مستدام يحترم القيم التي وضعها منذ البداية.
وفاة ماجد الفطيم | تاريخ رحيله وتأثيره على شركته والأسواق
في ديسمبر من عام 2021، أُعلن عن وفاة رجل الأعمال الإماراتي ماجد الفطيم، في خبرٍ صادم هزّ الأوساط الاقتصادية داخل دولة الإمارات وخارجها. جاء رحيله بعد عقود من العمل والإنجازات التي غيّرت ملامح قطاعات كاملة مثل التجزئة والتطوير العقاري والترفيه في منطقة الشرق الأوسط. وقد نعاه العديد من القادة ورجال الأعمال، على رأسهم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي أشاد برؤيته وإنجازاته، واعتبره من "أهم رجال الأعمال الذين خدموا الوطن".
رغم الصدمة العاطفية التي خلفها غيابه، لم تهتز أركان شركة ماجد الفطيم القابضة، وذلك بفضل الهيكل المؤسسي الصلب الذي أسسه بنفسه قبل سنوات. إذ وضع نظام حوكمة متين وخطة انتقال قيادي واضحة تضمن استمرارية الأعمال بسلاسة، دون تأثر بالمتغيرات الشخصية. وقد استمر الفريق التنفيذي بقيادة الإدارات المتخصصة في تنفيذ الخطط التوسعية والاستثمارية بنفس الرؤية التي أرساها الفطيم.
- على مستوى الأسواق، لم تُسجّل تقلبات كبيرة في ثقة المستثمرين أو الشركاء بعد الوفاة، بل على العكس، زادت مؤشرات الثقة بفضل الإرث الإداري والمالي المستقر الذي تركه.
- شكّلت وفاة ماجد الفطيم لحظة فارقة أعادت التأكيد على أهمية التخطيط المؤسسي طويل الأمد، وأبرزت كيف أن القادة الحقيقيين يتركون وراءهم مؤسسات قادرة على الاستمرار والنمو حتى بعد غيابهم، وهو ما نجح الفطيم في تحقيقه برؤية واضحة وحكمة استراتيجية.
صافي ثروة ماجد الفطيم وعائلة الفطيم | هل لا تزال تدير الإمبراطورية؟
- بحسب تقديرات فوربس، كان صافي ثروة ماجد الفطيم حوالي 4.3 مليار دولار عند وفاته في ديسمبر 2021
- رغم أن بعض المصادر المستقلة مثل NetWorth.ai وCelebrityNetWorth قدرت ثروة ماجد الفطيم بين 6 و7 مليارات دولار، فإن التقدير الأكثر دقة والأقرب إلى الواقع – بحسب فوربس – هو 4.3 مليار دولار.
هل لا تزال عائلة الفطيم تدير الإمبراطورية؟
- نعم، العائلة لا تزال لها دور محوري، لكن الإدارة تسير وفق هيكل مؤسسي احترافي:
- في 2022-2025، تم تأسيس لجنة قضائية خاصة بأمر من حاكم دبي لتسوية مسائل الإرث وتوزيع التحكم بين العائلة والدولة .
- هيئة تُعرف باسم "MAF Capital" أُعيد هيكلتها لتضم خمسة ممثلين حكوميين وأربعة من الأسرة، بينما Majid Al Futtaim Holding —الشركة المشغلة— بقيت تعمل بإشراف مجلس مستقل يضم خبراء محترفي.
- ابنه طارق الفطيم لا يزال عضوًا في مجلس إدارة المجموعة، بينما يترأس مجلس الإدارة شخصيات غير عائلية مثل Sir Michael Rake.
- التأثير على الأعمال والأسواق
- لم تظهر تقلبات جوهرية بعد وفاة المؤسس؛ بل حافظت المجموعة على استقرارها المالي والإداري، مع إيرادات تفوق 9 مليار دولار سنويًا.
- القرار الحكومي بإشراك ممثلين في إدارة الشركة يعكس حرص الإمارات على استمرارية نمو الأصول الاستراتيجية وضمان حوكمة قوية وشفافية مالية.
- تُعد هذه الخطوة مؤشراً على انتقال الشركات العائلية الكبرى نحو نموذج أكثر مؤسسةً واستدامة، وفتح الباب أمام مراجعة داخلية لحوكمة أفضل وربما طرح مستقبلي في البورصة.
لم تكن قصة ماجد الفطيم مجرد سيرة رجل أعمال إماراتي ناجح، بل مثالًا حيًا على كيف يمكن للرؤية والطموح والإصرار أن تُغيّر واقعًا اقتصاديًا بأكمله. من بدايات متواضعة إلى بناء إمبراطورية تجارية مؤثرة في مختلف القطاعات، شكّل الفطيم نموذجًا يُحتذى به في الاستثمار الذكي وإدارة المال.
إن إرث ماجد الفطيم لا يتوقف عند الثروة أو حجم المشاريع، بل يمتد إلى بصمته في تحويل أنماط التسوق والترفيه في العالم العربي، وتعزيز ثقافة ريادة الأعمال المبنية على التخطيط والاستدامة. ورغم رحيله، تواصل مجموعته المضي قدمًا بنفس الرؤية، لتؤكد أن النجاح الحقيقي لا يموت، بل يُورّث ويُخلَّد عبر الأجيال.