📁 آخر الأخبار

كيف حول شاب مطعمه البسيط إلى إمبراطورية غذائية بمليارات الدولارات؟

من مطعم صغير بدأه شاب بحلم كبير، إلى إمبراطورية غذائية تقدر بمليارات الدولارات، قصة مذهلة تحمل بين طياتها العديد من الأسرار. كيف استطاع هذا الشاب تحويل مشروعه المتواضع إلى واحدة من أكبر سلاسل المطاعم في العالم؟ هل كان النجاح نتيجة لحظ وحيد أم كان وراءه استراتيجيات ذكية ورؤية بعيدة المدى؟ تابع القصة واكتشف كيف تغلب على التحديات وحقق هذا التحول المذهل.

من مطعم صغير إلى إمبراطورية غذائية | كيف حقق شاب نجاحًا بمليارات الدولارات؟

تخيّل أن تكون في السابعة عشرة من عمرك، تقضي عطلتك الصيفية تعمل صبيًا في محل سندويشات صغير، بينما معظم أقرانك منغمسون في اللهو والخروج والراحة. مجرد اختيارك للعمل في هذا السن، يُعد دليلًا على تحمّلك للمسؤولية ورغبتك في دعم نفسك وأسرتك.

من مطعم صغير إلى إمبراطورية غذائية | كيف حقق شاب نجاحًا بمليارات الدولارات؟
كيف حول شاب مطعمه البسيط إلى إمبراطورية غذائية بمليارات الدولارات؟

لكن الأدهى من ذلك، أن تتحوّل هذه البداية المتواضعة إلى نقطة انطلاق لقصة نجاح استثنائية... أن تقرر، وأنت لا تزال في مقتبل العمر، أن تقترض المال وتشتري هذا المحل البسيط، لتبدأ منه رحلة بناء سلسلة مطاعم عالمية تدرّ مليارات الدولارات، وتتوسّع باستراتيجية هجومية أرهبت منافسيك وجعلتهم يعيدون حساباتهم.

  • إنها ليست مجرد قصة نجاح، بل ملحمة حقيقية تستحق أن تُروى، ووقفة تأمل لفهم كيف تحوّلت الأحلام إلى واقع يفوق الخيال.
  • يقف هذا الرجل اليوم على خطّ تجميع السندويشات، يجهّز بنفسه أحد أشهر السندويشات في الولايات المتحدة الأمريكية: رغيف طازج بطول 38 سنتيمترًا، يُحشى بلحم مشوي عالي الجودة، مع الجبن، الخس، والطماطم، ويُحضَّر أمام الزبائن مباشرة.
  • هكذا تُقدَّم جميع وجبات جيرسي مايكس — سلسلة مطاعم السندويشات الشهيرة التي باتت علامة فارقة في عالم الوجبات السريعة.

من يكون الرجل الذي حول مطعمه البسيط إلى إمبراطورية غذائية ضخمة؟

إنه بيتر كانكرو، المؤسس والرئيس التنفيذي الحالي لسلسلة Jersey Mike's، ويبلغ من العمر 67 عامًا. قصة بيتر بدأت عندما كان لا يزال طالبًا في المدرسة الثانوية. في الوقت الذي كان فيه أقرانه مشغولين بالدراسة أو الاستمتاع بحياتهم، كان يعمل في محل صغير للسندويشات في بلدته الساحلية الصغيرة. وفي لحظة جريئة، قرر وهو لم يزل مراهقًا أن يستدين مبلغًا من المال ليشتري ذلك المحل البسيط — نفس المكان الذي بدأ فيه رحلته.

  • ومن هذه الخطوة انطلقت ملحمة نجاح استثنائية. فقد استطاع بيتر أن يحوّل ذلك المشروع المتواضع إلى إمبراطورية تضم اليوم ما يقرب من 3000 فرع منتشرة في الولايات المتحدة، مع طموح لبلوغ 100,000 فرع في المستقبل القريب!
  • بل إن شركته تُصنّف اليوم كواحدة من أسرع الشركات نموًا في مجال الامتياز التجاري (الفرانشايز)، ليس فقط في أمريكا، بل ربما على مستوى العالم.

الغريب أن الحصول على حق الامتياز لافتتاح فرع من فروع "جيرسي مايكس" ليس سهلًا أبدًا. فوفقًا للشركة، يتم قبول أقل من 1% فقط من الطلبات المقدمة. ولتوضيح صعوبة هذا الرقم، فإن فرصة قبولك في جامعة مثل هارفارد — والتي بلغ معدل القبول فيها عام 2024 حوالي 3.6% — أعلى بكثير من فرصتك في الحصول على امتياز لمطاعم جيرسي مايكس!

ما هو سر نجاح بيتر كانكرو في بناء إمبراطورية غذائية ضخمة؟

فما هو سر هذا النجاح اللافت؟ وكيف تمكن شاب صغير، بدأ من لا شيء، من بناء هذه المنظومة العملاقة؟ بل وكيف لا تزال شركته محافظة على زخمها وتوسعها حتى الآن، لدرجة أن عملاق إدارة الأصول العالمي "بلاكستون" يسعى جاهدًا للاستحواذ عليها؟ إنها قصة نجاح مذهلة، قد تكون المرة الأولى التي يسمع عنها كثيرون، لكنها تستحق التوقف عندها، لفهم معاني الطموح، والمخاطرة، والإصرار على النجاح.

  • ما هي التحديات التي واجهها بيتر كانكرو؟ وما الاستراتيجيات المبتكرة التي اعتمد عليها؟ وكيف تمكن من الحفاظ على إيمانه العميق بالنجاح، وشغفه المتواصل، ومثابرته التي لا تعرف التراجع؟
  • الأهم من ذلك، كيف ساهم في تطوير المجتمعات التي افتُتحت فيها مطاعم "جيرسي مايكس"، وجعلها أماكن أفضل؟
  • إن قصة بيتر ليست مجرد حكاية رجل بنى سلسلة مطاعم ناجحة، بل درس حيّ لأي صاحب مشروع يسعى للتميّز: الإيمان بالفكرة، الجرأة في اتخاذ القرار، والإصرار على الاستمرار رغم التحديات. إنها رحلة ملهمة تحمل في طياتها دروسًا لكل من يحلم ببناء شيء كبير يبدأ من لا شيء.

نعود بالزمن 53 عامًا إلى عام 1971، وتحديدًا إلى بلدة "بوينت بليزنت" الساحلية، الواقعة على شاطئ "جيرسي شور" في ولاية نيو جيرسي. هناك، في أحد الشوارع الجانبية الهادئة، كان يوجد مطعم صغير يُدعى "مايك سابس"، بواجهة متواضعة من الطوب البني، يكاد يختبئ عن أعين المارّة.

كيف بدأ مطعم صغير في بلدة ساحلية ليصبح إمبراطورية غذائية؟

المطعم كان متخصصًا في تقديم نوع شهير من السندويشات يُعرف باسم "ساندويتش الغواصة" أو "صب مارين"، والذي يُطلق عليه اختصارًا "صب". ولمن لا يعرف هذا النوع، فهو ساندويتش أمريكي يتكوّن من رغيف خبز طويل – إيطالي أو فرنسي – يُشق بالطول ويُحشى باللحوم، والجبن، والخضروات، والتوابل.

  • في مصر مثلًا، نعرفه باسم "عيش فينو فرنساوي"، لكنه هناك كان يتميّز بشكلٍ يشبه هيكل الغواصة، ولهذا سُمّي بهذا الاسم. ويمكن تقديمه باردًا أو ساخنًا، مع تنويعات لا حصر لها في الحشوات.
  • اللافت أن مطعم "مايك سابس" استفاد بذكاء من موقعه الجغرافي المميز؛ فبلدة "بوينت بليزنت" تقع في قلب ولاية نيو جيرسي، على شاطئ "جيرسي شور"، وتبعد ساعة واحدة فقط جنوب مدينة نيويورك، وساعة عن فيلادلفيا، وحوالي ثلاث ساعات شمال ميريلاند، وديلاوير، وواشنطن العاصمة. 
  • هذا الموقع الاستراتيجي منح المطعم فرصة ذهبية لجذب الزبائن من مدن كبرى مجاورة، مما ساعده على بناء قاعدة شعبية واسعة في بداياته.

كيف بدأ بيتر كانكرو حلمه في مطعم صغير ليصبح رائدًا في صناعة الطعام؟

على مدار قرن من الزمان، كانت بلدة "بوينت بليزنت" ملاذًا لأهالي المناطق الحضرية القريبة. كانوا يأتون إليها للاستمتاع بالشمس، والأمواج، والرمال الذهبية، والممشى الخشبي، وقضاء أوقات ممتعة بعيدًا عن صخب المدن الكبرى. ومن هناك، كان مطعم "مايك سابس" يستقبل أفواجًا من المصطافين، والزوار، وحتى السكان المحليين، الذين كانوا يترددون عليه خصيصًا لتذوق ساندويتشات الغواصة الشهية.

وسط هذا الزخم، كان هناك شاب مراهق لا يتجاوز الرابعة عشرة من عمره يعمل بهدوء في المطعم. اسمه "بيتر كانكرو"، وكان في بداية رحلته، يلفّ الساندويتشات بيديه الصغيرتين، ويحلم فقط بأن يُسمح له في يومٍ ما بتقطيع اللحوم – وهي أهم خطوة في إعداد الساندويتش، ومن يصل إليها يُعد من "الناس التقيلة" في المطبخ.

  • بيتر كان أصغر إخوته الثلاثة، ونشأ في بيت بسيط من الطبقة العاملة. والده كان ميكانيكي سيارات، ووالدته ربة منزل كرّست حياتها لتربية أولادها.
  • ظل بيتر يعمل في المطعم لثلاث سنوات حتى بلغ السابعة عشرة، وكان حينها في سنته الأخيرة بالمدرسة الثانوية. لم يكن مجرد طالب عادي؛ بل كان رئيس الفصل، وذكيًا، ورياضيًا، ولاعبًا أساسيًا في فريق كرة القدم. 
  • وكان يرسم لنفسه طريقًا بعيدًا عن نيو جيرسي: دراسة القانون في جامعة "نورث كارولاينا" بمدينة "تشابل هيل"، والحلم بأن يصبح محاميًا.

كيف ألهمت أسرة بيتر كانكرو طموحه لتغيير مسار حياته من مراهق فقير إلى مالك لمطعم؟

لكن في المقابل، كان يعشق العمل في المطعم، ويستمتع بخدمة الزبائن، ويحفظ طلبات كل واحد منهم عن ظهر قلب، وعينه دائمًا على التفاصيل. وركز هنا، لأن الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة سيصبح لاحقًا حجر الأساس في قصة النجاح العظيمة دي. وفي نفس سنة تخرّجه – عام 1975 – كان أخوه الأكبر "جون" يعمل معه في نفس المطعم. وفي يوم، أخبره صديق بأن صاحب "مايك سابس" قرر يبيع المطعم. "ضحك جون وقال: من أين لي بالمال؟ ثم إنني لا أرغب في قضاء بقية حياتي في إعداد السندويتشات."

  • في نفس الليلة، ذهب جون إلى أخيه بيتر وأخبره عن الموضوع. بيتر، الذي كان عمره وقتها 17 سنة فقط، تحمس جدًا للفكرة، رغم أنه في ذلك العمر لم يكن مسموحًا له قانونيًا بتقطيع اللحوم الباردة (حيث كان القانون يتطلب أن لا يقل عمر العامل عن 18 سنة لكي يتمكن من مسك السكين!).
  • عاد بيتر إلى المنزل فوجد والدته تقول له: "لماذا لا تشتري المحل؟" وهنا يجب أن نتوقف قليلًا، لأن هذه أسرة فقيرة، حتى المراهق الذي لا يزال في الثانوية كان يعمل لتلبية احتياجاته، ورغم ذلك، كانت الأم تشجّع ابنها على السعي وراء طموحه. هنا تلعب العقلية دورًا كبيرًا في تغيير مصائر الأشخاص، وكأن تأثير الفراشة يغير مجرى الحياة.

"لماذا لا تشتري المحل؟" ظل هذا السؤال يدور في ذهن بيتر حتى وهو صاعد السلم إلى غرفته لينام. وعندما وصل إلى أعلى الدرج، فكّر في نفسه: "لماذا لا أكون أنا من يشتريه؟" بعدها غاب عن المدرسة لعدة أيام وهو يحاول جمع المال لشراء المحل، فاستدان من الأصدقاء والأقارب ولكن بلا جدوى.

كيف حصل بيتر كانكرو على التمويل لشراء مطعم مايك سابس في عمر السابعة عشرة؟

وقبل أن يتمكن اليأس منه، وفي محاولة أخيرة، قرر بيتر أن يذهب إلى مدربه في كرة القدم، السيد رود سميث، والذي كان يشغل منصب نائب رئيس بنك مقاطعة أوشن الوطني، وكانت حالته المادية جيدة. طرق باب منزله في الساعة التاسعة مساءً، وعندما فتح له المدرب، قال بيتر: "مطعم مايك سابس معروض للبيع بمبلغ 125,000 دولار، وأنا أرغب في شرائه، هل يمكنك مساعدتي؟"

فأجابه المدرب: "نعم"، وبالفعل أقرضه المال بفائدة قدرها 10%. وهكذا، أصبح بيتر كانكرو في عام 1975 مالكًا ومديرًا لمطعم مايك سابس، وهو لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره. أنهى بيتر الأشهر الأربعة المتبقية من دراسته، ثم بدأ يعمل بحماس شديد في المطعم، مستعينًا بأصدقائه وعائلته ليساعدوه. 

  • وبفضل العمل الجاد، تمكن سريعًا من سداد القرض. وبلغت مبيعات المطعم وقتها نحو مليون دولار سنويًا، واستمر النجاح على هذا المنوال حتى منتصف الثمانينات.
  • خلال تلك السنوات، لاحظ بيتر أمرًا لافتًا: الزبائن كانوا يحبون السندويشات لدرجة أنهم كانوا يأخذونها معهم عند مغادرتهم إلى ولايات أخرى مثل كاليفورنيا، بل وحتى إلى خارج الولايات المتحدة. 
  • بعض السياح من إنجلترا وحتى من الاتحاد السوفيتي كانوا يشترون السندويشات ويحملونها معهم إلى بلدانهم.
ومن هنا ولدت فكرة منح الامتياز التجاري (الفرنشايز). فتح بيتر دفتر ملاحظاته وبدأ يبحث عن اسم جديد يعكس أصالة وجذور المطعم في ولاية جيرسي. كتب ثلاثة اقتراحات:
  1. نيو جيرسي مايكز
  2. نيو جيرسي سابس
  3. جيرسي مايكز

ووضع دائرة حول الاسم الأخير، ومن هنا تحوّل الاسم من "مايك سابس" إلى "جيرسي مايكز"، وبدأت رحلة التوسع عبر نظام الفرانشايز.

كيف يساعد نموذج الامتياز التجاري في توسع سلاسل الوجبات السريعة مثل جيرسي مايكز؟

تعمل معظم سلاسل الوجبات السريعة الكبرى وفق نموذج "الامتياز التجاري" (الفرنشايز)، لأنه ببساطة يسمح لها بالتوسع السريع وبتكلفة أقل. ولمن لا يعرف، الامتياز التجاري هو اتفاق بين الشركة المالكة للعلامة التجارية — في هذه الحالة "جيرسي مايكز" — وأفراد أو شركات أخرى تمنحهم حق تشغيل مشروع تجاري باستخدام اسمها، ومنتجاتها، ونظام العمل الخاص بها.

  • في المقابل، يدفع صاحب الامتياز رسومًا أولية لمرة واحدة، بالإضافة إلى نسبة مئوية مستمرة من الإيرادات تُحول إلى "جيرسي مايكز".
  • كما يلتزم بتجهيز المحل أو المطعم وفق المعايير التي تحددها الشركة المالكة للامتياز.

من الجهة الأخرى، تُقدِّم "جيرسي مايكز" — أو أي شركة مانحة للامتياز — التدريب والدعم المستمر لصاحب الامتياز، لمساعدته على النجاح. كما يستفيد صاحب الامتياز من حملات التسويق للعلامة التجارية وتعزيز حضورها في السوق، وهي تكاليف يتحملها مانح الامتياز.

وخلال أربع سنوات فقط، منحت "جيرسي مايكز" حقوق الامتياز لـ 30 مطعمًا، وبدأت بالتوسع خارج ولاية نيو جيرسي. لكن في أوائل التسعينيات، تعرّض الاقتصاد الأمريكي لركود مؤقت بسبب سياسات الاحتياطي الفيدرالي في الثمانينيات، حيث تم رفع أسعار الفائدة إلى مستويات تاريخية، مما زاد من تكلفة الاقتراض بشكل كبير.

كيف نجح بيتر كانكرو في إنقاذ جيرسي مايكز من الأزمات وتحقيق التوسع المستدام؟

في تلك الفترة، كانت "جيرسي مايكز" قد اقترضت مبلغًا كبيرًا لتمويل التوسع، فوجد بيتر كانكرو نفسه مضطرًا لتسريح جميع موظفي الشركة، بما فيهم شقيقه، الذي اضطر لاحقًا للعمل في تنظيف السيارات. وبحلول عام 1994، نجح بيتر في إخراج شركته من أزمتها وأعاد توظيف جميع العاملين، بما فيهم شقيقه. وبنهاية التسعينات، كانت سلسلة مطاعم جيرسي مايكس قد وصلت إلى 100 فرع، واستمرت في التوسع بفضل قيادة بيتر الحكيمة وقدرته على التفكير خارج الصندوق.

  • وعندما ضربت جائحة كورونا الاقتصاد الأمريكي في 2020 وأغلقت معظم الشركات أبوابها، كان الجميع ينصح بيتر بالتريث والاحتفاظ بالأموال، لكنه قرر أن يسلك الاتجاه المعاكس. 
  • أطلق حملات إعلانية ظهر فيها بنفسه ليشكر أصحاب الامتياز على دعمهم للمستشفيات، وطلب من كل فرع التبرع بألف ساندويتش تتحمل الشركة الأم تكلفتها بالكامل لصالح المستشفيات وبنوك الطعام والمحتاجين.
  • وفي خطوة جريئة، أنفق 150 مليون دولار لإعادة تصميم 1700 فرع خلال فترة الوباء، و40 مليون دولار لتحديث تطبيق الشركة وموقعها الإلكتروني. بل وصل الأمر إلى شرائه طائرة خاصة ليتمكن من زيارة الفروع بنفسه في ظل توقف الطيران.

  • وكانت النتائج مذهلة بالفعل. فبحسب شركة "تكنوميك" المتخصصة في استشارات خدمات الطعام، حققت سلسلة "جيرسي مايكس" معدل نمو سنوي في المبيعات تجاوز 20% خلال السنوات الخمس الماضية. 

  • إذ ارتفعت الإيرادات من 1.3 مليار دولار في عام 2019 إلى 2.2 مليار دولار في عام 2021، ثم قفزت إلى 3.3 مليار دولار بحلول عام 2023، لتواصل إمبراطورية بيتر كانكرو توسعها اللافت.

  • وبذلك أصبحت "جيرسي مايكس" ثاني أكبر سلسلة مطاعم في الولايات المتحدة من حيث حجم المبيعات بعد سلسلة "صب واي"، كما باتت واحدة من أسرع شركات الامتياز التجاري نموًا داخل أمريكا وخارجها. 

فلا توجد العديد من السلاسل الغذائية الأمريكية التي تتوسع بهذه السرعة سوى عدد محدود، مثل سلسلة "كافا" التي يديرها مستثمرون من أصول يونانية وتُقدّم وجبات سريعة من مطبخ البحر الأبيض المتوسط، وسلسلة "ريزين كانز" المتخصصة في وجبات الدجاج، بالإضافة إلى شركتين في مجال القهوة تقدمان الخدمة مباشرة للسائقين، وهما "سكوترز" و"داتش بروز".

كيف ساهمت التفاصيل الدقيقة والعمل الخيري في نجاح "جيرسي مايكس؟

يقف خلف النجاح المذهل لبيتر كانكرو عاملان رئيسيان: الأول هو اهتمامه الشديد والدقيق بالتفاصيل، والثاني هو حرصه على دمج العمل الخيري كجزء أساسي من منظومة إدارة سلسلة "جيرسي مايكس". من يزور أحد فروع "جيرسي مايكس" في الولايات المتحدة، يلاحظ على الفور أن تصميم المطعم تم بعناية فائقة؛ بدءًا من مواقع آلات تقطيع اللحوم والشوايات وباقي المعدات، وصولًا إلى الديكورات الداخلية المستوحاة من روح أول فرع للمطعم الذي كان يقع بالقرب من الشاطئ.

  • لذلك تجد على الجدران جداريات للشاطئ وألواح تزلج وأخشابًا معلقة تُضفي لمسة مميزة للمكان، مما يعكس هوية العلامة التجارية ويمنح الزبائن تجربة فريدة.
  • ليس ذلك فحسب، بل إن تصميم خط التجميع في المطاعم ساعد على توظيف عدد أقل من العاملين، وبالتالي تقليل النفقات التشغيلية مقارنةً بالمنافسين في الصناعة. حيث يوظف فرع "جيرسي مايكس" الواحد ما بين 12 إلى 15 موظفًا فقط لتغطية جميع المناوبات، في حين أن السلاسل الغذائية الكبرى الأخرى توظف ما بين 20 إلى 50 موظفًا في كل فرع. 
  • ونتيجة لذلك، لا تتجاوز تكلفة العمالة في "جيرسي مايكس" نسبة 25% من إجمالي المبيعات، بينما تبلغ لدى المنافسين نحو 30%.

وربما يبدو الفارق بسيطًا – فقط 5% – لكنه فعليًا يمثل مبلغًا ضخمًا. فإذا كانت "جيرسي مايكس" تتوقع تحقيق مبيعات تصل إلى 4 مليارات دولار هذا العام، فإن نسبة الـ 5% تمثل نحو 200 مليون دولار من التوفير في تكاليف العمالة وحدها، وكل ذلك بفضل التصميم الذكي لخطوط التشغيل.

سر نجاح بيتر كانكرو | الاهتمام بالتفاصيل والعمل الخيري

لا يزال بيتر كانكرو حتى اليوم يحرص على زيارة فروع "جيرسي مايكس" في مختلف الولايات الأمريكية. فإذا كنت من أصحاب الامتياز، قد تُفاجأ بدخوله إلى مطعمك فجأة ليراقب عن قرب ما يجري. وسرعان ما يتجه إلى خط التجميع، يعرّف بنفسه للموظفين، يرتدي المئزر الأزرق الخاص بالمطبخ، ويبدأ في تقطيع اللحوم والعمل معهم جنبًا إلى جنب، بكل تواضع وحماسة.

نعم، إن الاهتمام بالتفاصيل قادر على الارتقاء بأي مشروع إلى أعلى المستويات، بينما إهمالها قد يؤدي إلى انهياره بالكامل. فالتركيز على التفاصيل يعدّ عنصرًا جوهريًا في عالم الأعمال، لأنه يضمن رضا العملاء وولاءهم، ويحافظ على أعلى معايير الجودة، ويعزز الكفاءة التشغيلية، مما يساهم في خفض التكاليف ورفع مستوى الدقة المحاسبية والمالية.

علاوة على ذلك، فإن العناية بالتفاصيل ترفع من إنتاجية الموظفين، وتقلل من احتمالية وقوع الأخطاء، وتساعد على اغتنام الفرص عند ظهورها، كما توسع مساحة الإبداع وتفتح آفاقًا جديدة للتميز بعيدًا عن الطرق التقليدية التي يسلكها المنافسون. وفي نهاية المطاف، تنعكس هذه العوامل مجتمعة على النجاح المستدام وطويل الأمد للعلامة التجارية.

  • أما العامل الثاني وراء نجاح بيتر كانكرو، فهو التزامه العميق بالأعمال الخيرية، ودمجها كجزء أساسي من إدارة المنظومة ككل. 
  • ويعود هذا التوجه إلى تأثره في بدايات حياته باثنين من أصحاب المحلات في منطقته، كانوا دائمًا يقدمون الدعم المالي للشباب، ويتبرعون لخدمات الإسعاف والمجتمع المحلي. لذلك، حرص بيتر منذ تأسيس شركته على إحداث فرق حقيقي في المجتمعات التي تنتشر فيها فروع "جيرسي مايكس".
  • وبمرور الوقت، أصبحت العلامة التجارية مرتبطة في أذهان الناس بالمشاركة المجتمعية، ودعم المستشفيات، والأندية الرياضية، والمبادرات الخيرية المختلفة، مما عزز من صورتها الإيجابية وساهم في ترسيخ مكانتها في السوق.

مبادرة يوم العطاء الخيرية لجرسي مايكس | جمع 25 مليون دولار في 2024

من أبرز المبادرات الخيرية التي تُميز "جيرسي مايكس" ما يُعرف بـ"يوم العطاء"، وهو تقليد سنوي يُقام في آخر يوم أربعاء من شهر مارس. في هذا اليوم، تتبرع جميع الفروع المشاركة بنسبة 100٪ من مبيعاتها لصالح مؤسسة خيرية محلية يتم اختيارها من قبل كل فرع على حدة.

في عام 2024، تمكّنت "جيرسي مايكس" من جمع تبرعات بلغت 25 مليون دولار للأعمال الخيرية، رغم أن المشاركة في "يوم العطاء" ليست إلزامية لأصحاب الامتياز، ولا تُذكر ضمن بنود العقد. ومع ذلك، يشارك الجميع طواعية، ما يعكس روح التضامن المجتمعي التي أرساها بيتر كانكرو داخل المنظومة.

  • ورغم بلوغه سن الـ67، وتقدّر ثروته بنحو 5.6 مليار دولار، إلا أن بيتر كانكرو لا يزال شغوفًا بما يسميه "اللعبة"، ويؤمن بأن النمو الحقيقي لسلسلة "جيرسي مايكس" لم يبدأ بعد.
  • ضمن رؤيته المستقبلية، يخطط بيتر لافتتاح 5,000 فرع جديد خلال السنوات الخمس المقبلة. 

وقد بدأت السلسلة بالفعل أولى خطواتها نحو التوسع الدولي من خلال توقيع اتفاقية مع أحد أكبر مشغلي المطاعم في كندا، تهدف إلى افتتاح 300 فرع هناك بحلول عام 2034. والهدف الأكبر: أن يتجاوز عدد فروع "جيرسي مايكس" 10,000 مطعم حول العالم خلال السنوات القليلة المقبلة.

استحواذ الشركات الكبرى على سلاسل الوجبات السريعة | جيرسي مايكس في الخطوط الأمامية

في الوقت الحالي، يساعد بيتر كانكرو في إدارة إمبراطورية "جيرسي مايكس" ابنته كارولاين، التي من المتوقع أن تتولى منصب الرئيس التنفيذي في حال تقاعد والدها أو وفاته في أي لحظة. تبلغ كارولاين الآن 36 عامًا، ومنذ فترة مراهقتها بدأت تنخرط في إدارة المجموعة، حيث كانت ترافق والدها في جميع رحلاته. يبقى السؤال: إلى متى سيستمر بيتر وابنته في التوسع واللعب على الساحة التنافسية، حيث يستمران في الهجوم الشرس على المنافسين؟

  • ومع ذلك، من يتابع قطاع سلاسل الوجبات السريعة في الولايات المتحدة مؤخرًا يلاحظ استهداف العديد من المستثمرين وشركات إدارة الأصول للاستحواذ على سلاسل الطعام الأمريكية. 
  • على سبيل المثال، في أغسطس 2023، تم الاستحواذ على منافس "جيرسي مايكس" الأبرز، سلسلة "صب واي"، من قبل شركة الأسهم الخاصة "رور كابيتال" مقابل 9.5 مليار دولار.
  • أما بالنسبة لمحاولة الاستحواذ على "جيرسي مايكس"، فقد كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" في أبريل عن محادثات تجريها شركة "بلاك ستون"، وهي أكبر شركة لإدارة الأصول البديلة في العالم بأصول تتجاوز التريليون دولار، مع "جيرسي مايكس" لمحاولة الاستحواذ عليها مقابل 8 مليار دولار. ومع ذلك، لم يتم الاتفاق على إتمام الصفقة.

تظل "جيرسي مايكس" في قلب المنافسة، ويبدو أن بيتر كانكرو وابنته كارولاين لن يتوقفا عن السعي لتحقيق المزيد من التوسع والنمو. في ظل الاهتمام المتزايد من قبل الشركات الكبرى للاستحواذ على سلاسل الطعام الأمريكية، سيكون من المثير متابعة كيفية تطور هذه القصة في المستقبل القريب.

تعليقات