هل الذهب حقًا وسيلة فعالة لحماية أموالك من التضخم؟ سؤال يشغل بال الكثيرين، خاصة في الأوقات التي ترتفع فيها الأسعار وتتراجع قيمة العملات. لطالما اعتُبر الذهب ملاذًا آمنًا يلجأ إليه الأفراد والمستثمرون لحفظ قيمة أموالهم، لكن هل يحقق هذا الدور دائمًا؟ في هذا المقال، سنستعرض العلاقة بين الذهب والتضخم، ونناقش ما إذا كان الاستثمار فيه هو الخيار الأمثل للحفاظ على القوة الشرائية للأموال.
العلاقة بين التضخم والذهب | هل يبقى الذهب ملاذًا آمنًا لأموالك؟
الأسعار ترتفع، والاقتصاد العالمي يواجه حالة من عدم الاستقرار، كما أن مستقبل الأسواق المالية بات غير واضح في ظل الاضطرابات التي يشهدها العالم مؤخرًا. ونتيجة لذلك، يسود شعور بالخوف والقلق لدى الكثيرين، خوفًا على أموالهم وقلقًا بشأن قدرتهم على الحفاظ على مستوى معيشتهم.
![]() |
كيف يؤثر التضخم على قيمة الذهب؟ وهل هو الملاذ الآمن لأموالك؟ |
وكعادتهم منذ زمن في الظروف والأوضاع المشابهة، اندفع الناس نحو شراء الذهب كمحاولة للحفاظ على قيمة أموالهم، وذلك نتيجة لإيمانهم بأن الذهب يُعدّ واحدًا من أكثر الأصول أمانًا وجودة. فمن يشتري الذهب اليوم، خصوصًا في الأسواق الناشئة التي تواجه مستويات مرتفعة من التضخم وضغوطًا متزايدة على عملاتها، يقوم بذلك على افتراض أن الذهب سيحميه من آثار التضخم وتقلبات أسعار الصرف.
هل يحمي الذهب أموالك من التضخم وتقلبات العملة؟
- لكن، هل هذا صحيح؟ هل يمكن فعلاً استخدام الذهب كأداة تحوط ضد التضخم وتقلبات أسعار الصرف؟ للإجابة على هذا السؤال، نحتاج أولًا إلى فهم العوامل التي تؤثر على أسعار الذهب، سواء على المستوى المحلي أو العالمي.
- لماذا يقترب السعر العالمي للذهب من 2000 دولار للأونصة، في الوقت الذي رفع فيه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية؟ أليس من المفترض أن يحدث العكس؟ والسؤال الأهم: لماذا نلاحظ في العديد من الأسواق فجوة واضحة بين السعر المحلي والسعر العالمي للذهب؟
- كسلعة تُباع وتُشترى لقيمتها الذاتية.
- كنقد يُستخدم كوسيلة للتبادل، وهو الدور الذي احتفظ به الذهب حتى بداية السبعينيات.
في أغسطس 1971، ألغى الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون قاعدة الذهب (Gold Standard)، التي كانت تشكل حجر الزاوية في النظام النقدي العالمي. ومنذ تلك اللحظة، تراجع دور الذهب في النظام النقدي، وأصبح يُعامل بشكل أساسي كسلعة، تمامًا مثل النفط والغاز والنحاس والقمح وغيرها.
- لكن الذهب يتمتع بخصائص فريدة تميّزه عن أي سلعة أخرى. وهنا لا أقصد بالطبع خصائصه الكيميائية أو الفيزيائية، بل أعني أن سوق الذهب يختلف تمامًا عن سوق أي سلعة أخرى نعرفها.
- على سبيل المثال، من المعروف أن أسعار السلع مثل النفط تتحرك بشكل أساسي بناءً على العرض والطلب. فإذا قررت "أوبك" غدًا خفض إنتاجها، سترتفع أسعار النفط بشكل كبير، لأن المعروض في السوق سينخفض بشكل ملحوظ.
- وعلى الجانب الآخر، إذا اضطُر العالم إلى إغلاق اقتصاده، كما حدث خلال وباء كورونا، فستنخفض أسعار النفط بشكل حاد بسبب تراجع الطلب.
- الاستهلاك الكامل: يتم استهلاك النفط بالكامل تقريبًا، ولا يبقى منه شيء يُخزَّن لفترات طويلة.
- محدودية التخزين: سعة تخزين النفط والقدرة على الاحتفاظ به بعد إنتاجه محدودة للغاية، مما يمنح المنتجين سلطة كبيرة على السوق.
- الذهب لا يُستهلك: فالناس تشتريه للاحتفاظ به، وحتى الجزء المستخدم في الصناعة يُعاد تدويره ويعود إلى السوق من جديد. لهذا، تشير بعض التقديرات إلى أن كل الذهب الذي تم استخراجه عبر التاريخ لا يزال موجودًا حتى اليوم.
- حجم المخزون يفوق الإنتاج السنوي: بما أن الذهب سلعة يحتفظ بها الناس لفترات طويلة، فإن حجم المخزون المتراكم لدى الأفراد والمؤسسات يفوق بكثير كمية الذهب الجديد التي تستخرجها شركات التعدين سنويًا.
- على سبيل المثال، في عام 2022، بلغ إنتاج العالم من الذهب حوالي 3100 طن، في حين أن إجمالي الذهب الذي يحتفظ به الأفراد والمؤسسات يقترب من 209 آلاف طن.
- في هذا السياق، نحن كمستهلكين، الذين نمتلك تلك الكمية الضخمة من الذهب، لدينا قدرة أكبر بكثير على التأثير في أسعار الذهب مقارنة بالمنتجين، الذين لا يتجاوز إنتاجهم السنوي 3000 طن فقط.
لهذا، يمكن القول إن نموذج العرض والطلب التقليدي لا ينطبق بالكامل على أسعار الذهب. وهذا، بالمناسبة، خطأ شائع يقع فيه بعض المحللين عندما يحاولون توقع أسعار الذهب بناءً على حجم الإنتاج الجديد من المناجم أو حجم الطلب من البنوك المركزية، متجاهلين التأثير الأكبر لحجم المخزون المتراكم لدى الأفراد والمؤسسات.
العوامل المؤثرة في أسعار الذهب | هل التوقعات هي المحرك الأساسي؟
إذًا، ما الذي يحرك أسعار الذهب بالضبط؟ ببساطة، هناك عامل رئيسي واحد: توقعات الناس. ويمكن تقسيم هذه التوقعات إلى قسمين:توقعات الناس لتصرفات غيرهم: أي كيف يعتقد المستثمرون أن الآخرين سيتصرفون في سوق الذهب، مما يؤثر على قراراتهم الشرائية أو البيعية.
توقعات الناس لمستقبل الاقتصاد: وتشمل العوامل الاقتصادية مثل التضخم، أسعار الفائدة، والاستقرار المالي، حيث يلجأ المستثمرون إلى الذهب كملاذ آمن في أوقات عدم اليقين الاقتصادي.
دعونا نأخذ هذه النقاط بالترتيب، ونبدأ بفهم كيف تؤثر توقعات الناس بشأن تصرفات الآخرين على أسعار الذهب.
- هذه الفكرة شرحها الاقتصادي البريطاني الشهير جون ماينارد كينز في كتابه الصادر عام 1936 تحت عنوان "النظرية العامة للتوظيف والفائدة والنقود".
- في هذا الكتاب، أوضح كينز كيف أن الأسواق المالية تحكمها آلية تشبه "مسابقة الجمال"، وضرب مثالًا طريفًا بمسابقة نظمتها إحدى الصحف لقرّائها.
في هذه المسابقة، عرضت الصحيفة صورًا لـ100 وجه، وطلبت من القرّاء اختيار أجمل ستة وجوه من بينها. لكن الفائز لم يكن من اختار الأجمل من وجهة نظره الشخصية، بل من تمكن من اختيار الوجوه الستة التي حصلت على أكبر عدد من الأصوات من بقية المشاركين.
- بمعنى آخر، لم يكن الهدف هو اختيار الجمال الحقيقي، بل توقع كيف سيصوّت الآخرون، لأن الفوز يعتمد على موافقة الأغلبية، وليس على الذوق الشخصي للفرد.
- لو أُجريت هذه المسابقة اليوم، قد يجد الكثيرون أنفسهم في حيرة وهم يحاولون اختيار أجمل الوجوه بناءً على رأيهم الشخصي. لكن هذه استراتيجية فاشلة لأي شخص يسعى للفوز بالمسابقة، لأن الفوز لا يعتمد على الذوق الشخصي، بل على التنبؤ باختيارات الأغلبية.
- يقول كينز إن هذه الطريقة خاطئة، والاستراتيجية الأفضل هي عدم اختيار الوجوه المفضلة لديك شخصيًا، بل اختيار الوجوه التي تتوقع أن يراها الآخرون جميلة، لأن الفوز يعتمد على اختيار أكثر الوجوه تكرارًا في تصويت الآخرين.
- وإذا كنت أكثر ذكاءً وترغب في رفع مستوى التحدي، فإن كينز يقترح استراتيجية أكثر تعقيدًا، وهي اختيار الوجوه التي تعتقد أن الآخرين سيظنون أن غيرهم سيعتبرها جميلة.
- بمعنى آخر، هدفك الأساسي هو الفوز بالمسابقة، وليس اختيار الأجمل من وجهة نظرك. بل في الواقع، رأيك الشخصي لا قيمة له إذا كان سيؤدي إلى خسارتك.
- نفس هذا المنطق يحكم سوق الذهب، فالسعر لا يتحدد بناءً على تقديرك الشخصي لقيمة الذهب، وإنما بناءً على تقدير المجموع لقيمته.
- على سبيل المثال، قد ترى أن سعر الذهب الحالي في سوقك المحلي غير منطقي ومبالغ فيه، وقد تكون محقًا في ذلك. لكن رأيك هذا، حتى لو كان صحيحًا، لا قيمة له طالما أن باقي المشاركين في السوق يرون العكس.
وهنا أمامك خياران كمستهلك: إما أن تتمسك برأيك وتحجم عن دخول السوق لأنك مقتنع بأن السعر الحالي غير منطقي وأن الآخرين لا يدركون الحقيقة، وبالتالي تمتنع عن الشراء. في هذه الحالة، لن يتأثر السوق بقرارك الشخصي، وسيستمر السعر في الارتفاع طالما أن أغلبية المشاركين في السوق يشترون ويتحركون في الاتجاه المعاكس، حتى لو كانت هذه الأغلبية مخطئة تمامًا ولا تفهم شيئًا. من الضروري أن تدرك أنه في هذا السياق، ليس المهم أن تكون على صواب أو خطأ، بل الأهم هو أن تفهم كيف تفكر الأغلبية التي تحرك السوق، وتستغل ذلك لصالحك.
وهذا يقودنا إلى الخيار الثاني، وهو أن تكون مدركًا ومقتنعًا بأن سعر الذهب مبالغ فيه وغير منطقي، لكنك في الوقت نفسه تتوقع أن الناس ستواصل الشراء بغض النظر عن أي شيء، مما سيؤدي إلى استمرار ارتفاع السعر. ومن هذا المنطلق، وبدافع نفعي بحت وبراغماتي، تدخل السوق وتشتري، حتى لو لم تكن مقتنعًا بالسعر، فقط للاستفادة من موجة الصعود والمكاسب المحتملة.
لماذا يعترض وارن بافيت على الاستثمار في الذهب؟
المستثمر هنا لا يشتري الذهب لأنه مقتنع بقيمته الجوهرية، وإنما لأنه يتوقع أن هناك شخصًا آخر في المستقبل سيكون مستعدًا لشرائه بسعر أعلى. وهذا هو السبب الذي دفع المستثمر الشهير وارن بافيت إلى الاعتراض على الاستثمار في الذهب. ففي خطابه لعام 2011 الذي أرسله إلى مساهمي شركته بيركشاير هاثاواي، أوضح بافيت وجهة نظره قائلاً:
- "الذهب فئة من الأصول لا تنتج أي شيء على الإطلاق، والناس يشترونه فقط على أمل أن يأتي شخص آخر في المستقبل مستعدًا لدفع سعر أعلى مقابل الحصول عليه."
- "أشهر أصل في هذه الفئة، وخاصة بين المستثمرين الذين يخشون الأصول الأخرى، هو الذهب."
- وهذا يعني أن الذهب يجذب المستثمرين الذين يبحثون عن ملاذ آمن عندما يشعرون بعدم الثقة في الأصول الأخرى، مثل الأسهم أو العقارات.
- عدم وجود استخدامات عملية واسعة – على عكس الأصول الأخرى، لا يُستخدم الذهب بشكل كبير في الإنتاج الصناعي مقارنةً بالمعادن الأخرى مثل الفضة أو النحاس.
- عدم القدرة على التكاثر أو التوسع – فالذهب لا يولد أرباحًا أو فوائد بحد ذاته، ولا يمكن زيادته أو تطويره مثل الشركات أو العقارات التي يمكن أن تنمو وتدر دخلاً إضافيًا.
السبب الأساسي الذي يدفع معظم الناس لشراء الذهب هو اعتقادهم بأن عدد الأشخاص الخائفين من الأوضاع الاقتصادية سيزداد، مما سيؤدي إلى ارتفاع الطلب على الذهب ورفع سعره. هذا الارتفاع في السعر يجعل المزيد من الأشخاص ينجذبون إلى الاستثمار فيه، معتقدين أن ارتفاعه المستمر دليل على أنه استثمار ناجح، مما يخلق دورة مستمرة من الشراء وزيادة الأسعار.
هذا هو رأي وارن بافيت، والذي قد يختلف معه البعض أو يتفقون، لكنه يثير تساؤلًا مهمًا: هناك طرفان يسيران في نفس الاتجاه ولكن بدوافع مختلفة. فهناك أشخاص عاديون يشترون الذهب بدافع الخوف من الأوضاع الاقتصادية، وفي المقابل، هناك مستثمرون محترفون يستغلون هذا الخوف لصالحهم، حيث يشترون الذهب ليس لأنهم يخشون المستقبل، ولكن لأنهم يتوقعون أن الخوف سيستمر، مما سيدفع المزيد من الناس للشراء، وبالتالي سيرتفع السعر.
لماذا يلجأ الناس إلى الذهب في الأزمات الاقتصادية؟
في الظروف العادية، يتعامل الأفراد مع الذهب كسلعة تُشترى بغرض استخدامها، خاصة في صناعة المجوهرات. ولكن في الأوقات الاقتصادية الصعبة، يتغير هذا السلوك، حيث يبدأ الناس في التعامل مع الذهب باعتباره ملاذًا آمنًا لأموالهم ووسيلة للتحوط ضد المخاطر الاقتصادية وعدم الاستقرار المالي.
على سبيل المثال، ارتفع السعر المحلي للذهب في تركيا بحوالي 40% خلال عام 2022، نتيجة الإقبال الكبير من الأتراك على شرائه. في الربع الأخير من 2022، ارتفع الطلب على المجوهرات في تركيا بنسبة 32% على أساس سنوي، مما يعكس تزايد المخاوف الاقتصادية ودور الذهب كملاذ آمن في أوقات عدم الاستقرار.
السبب الرئيسي وراء هذا الارتفاع الكبير في حجم الطلب هو الخوف من تدهور قيمة الليرة التركية، حيث سعى الأتراك إلى التحوط ضد مخاطر انخفاض العملة. خلال الشهور الأخيرة، شهدت الليرة تراجعًا حادًا، بالتزامن مع وصول معدلات التضخم إلى مستويات قياسية، مما دفع الكثيرين إلى الاستثمار في الذهب كوسيلة للحفاظ على قيمة أموالهم.
كيف تؤثر سياسات البنوك المركزية على أسعار الذهب؟
البنك المركزي التركي، الذي كان في عام 2022 أكبر مشترٍ للذهب في العالم بين البنوك المركزية بهدف السيطرة على أسعار الذهب، بدأ مؤخرًا في بيع جزء من احتياطياته في السوق المحلي. ووفقًا لما نشرته بلومبيرج في 27 أبريل 2023، فقد انخفضت احتياطيات المركزي التركي من الذهب بنسبة 9% خلال سبعة أسابيع، في خطوة تعكس محاولاته للتعامل مع التحديات الاقتصادية والتخفيف من الضغوط في السوق.
مشكلة أسعار الذهب الحالية في تركيا وغيرها من الدول التي تعاني من ظروف مشابهة ليست فقط في انخفاض قيمة العملة المحلية أو ارتفاع التضخم، بل في الخوف من أن هذه الأوضاع ستزداد سوءًا في المستقبل. لهذا السبب، يمكن القول إن العامل الأساسي الذي يحرك أسعار الذهب هو التأثيرات النفسية البحتة، حيث يدفع الخوف والتشاؤم بشأن المستقبل الناس إلى التحوط ضد مخاوفهم، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على الذهب، وبالتالي ارتفاع أسعاره.
عندما يشتري الناس الذهب بهدف التحوط، فإنهم يسعون للحماية من عاملين رئيسيين:- التضخم، ويُعرف بالتحوط الداخلي (Internal Hedge): حيث يلجأ الأفراد إلى الذهب للحفاظ على قيمة أموالهم في ظل ارتفاع الأسعار وتراجع القوة الشرائية للعملة.
- تقلبات أسعار الصرف أو انخفاض قيمة العملة المحلية، ويُعرف بالتحوط الخارجي (External Hedge): عندما تضعف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، يصبح الذهب وسيلة لحماية الثروة من فقدان قيمتها. بمعنى آخر، الذهب ليس مجرد سلعة، بل هو أداة مالية تُستخدم للحفاظ على القيمة في مواجهة الأزمات الاقتصادية والتغيرات النقدية.
- عندما يرتفع التضخم، تتراجع القوة الشرائية للنقود، أي أن قيمتها تنخفض بمرور الوقت. في هذه الحالة، يسعى بعض الأشخاص لحماية أموالهم من فقدان قيمتها عن طريق وضعها في ملاذ آمن، وهو الذهب في هذه الحالة.
- على سبيل المثال، إذا ارتفع التضخم بنسبة 10%، وفي المقابل زادت قيمة الذهب بنفس النسبة 10%، فهذا يعني أن الشخص الذي استثمر أمواله في الذهب قد تمكن من الحفاظ على قيمتها الفعلية دون خسارة.
- لهذا السبب، يُطلق خبراء الاقتصاد على الذهب في هذه الحالة مصطلح "تحوط داخلي مثالي" (Perfect Internal Hedge)، أي أنه وسيلة فعالة تمامًا لحماية الأموال من تأثيرات التضخم.
- أما إذا ارتفع التضخم بنسبة 10%، بينما زادت قيمة الذهب بنسبة 5% فقط، فهذا يُعرف بـ "تحوط داخلي جزئي" (Partial Internal Hedge).
- بمعنى آخر، في هذه الحالة، امتلاك الشخص للذهب قد حماه جزئيًا من آثار التضخم، لكنه لم يتمكن من تعويض الخسارة بالكامل، حيث لا تزال القوة الشرائية لأمواله منخفضة مقارنة بارتفاع الأسعار.
- نفس الفكرة تنطبق على تقلبات أسعار الصرف؛ فإذا ارتفع سعر الذهب بنفس نسبة انخفاض سعر صرف العملة المحلية، فهذا يُعرف بـ "تحوط خارجي مثالي" (Perfect External Hedge)، حيث يتم تعويض فقدان قيمة العملة بالكامل من خلال ارتفاع سعر الذهب.
- أما إذا ارتفع سعر الذهب بنسبة أقل من نسبة انخفاض العملة، فهذا يُسمى "تحوط خارجي جزئي" (Partial External Hedge)، أي أن امتلاك الذهب خفف جزئيًا من تأثير تراجع قيمة العملة، لكنه لم يعوض الخسارة بالكامل.
هل الذهب وسيلة فعالة للتحوط ضد تقلبات أسعار الصرف؟
أولًا، فيما يتعلق بأسعار الصرف وتقلبات قيمة العملة المحلية مقابل العملات الرئيسية:- هناك دراسة نُشرت عام 2021 بعنوان "هل الذهب ملاذ من المخاطر الديناميكية لأسعار الصرف الأجنبي؟"، قام بها ثلاثة باحثين متخصصين، حيث حللوا بيانات 15 دولة خلال الفترة من 2009 إلى 2020 للإجابة على هذا السؤال.
- في نهاية الدراسة، استنتج الباحثون أن سعر الذهب يتحرك في الاتجاه المعاكس لسعر صرف العملة المحلية عندما تواجه صدمات غير متوقعة. بناءً على هذا الاستنتاج، خلصوا إلى أن الذهب يمكن أن يكون أداة تحوط فعالة ضد مخاطر تقلبات أسعار الصرف الأجنبي.
هناك العديد من الدراسات التي تناولت هذا الموضوع، ومن بينها دراسة بعنوان "هل الذهب يعد تحوطًا ضد التضخم؟"، حيث قام ثلاثة باحثين بتحليل بيانات التضخم في أربع دول:
- الولايات المتحدة
- المملكة المتحدة
- اليابان
- سويسرا
وقارنوا هذه البيانات بالأسعار التاريخية للذهب. في النهاية، استنتجوا أن الذهب يمكن أن يكون أداة تحوط فعّالة ضد التضخم، سواء على المدى القصير أو الطويل. لكن هذه النتيجة يختلف معها جزئيًا "روي جاسترام"، الأستاذ السابق في كلية إدارة الأعمال بجامعة كاليفورنيا.
في كتابه الصادر عام 1978 بعنوان "The Golden Constant"، أشار جاسترام إلى أن الذهب يصلح كتحوط فعّال ضد التضخم على المدى الطويل، لكنه ليس بنفس الكفاءة على المدى القصير. بمعنى آخر، إذا اشتريت الذهب على أمل بيعه خلال فترة زمنية قصيرة، فقد تظل معرضًا لخطر التضخم جزئيًا على الأقل.
- وفي كلتا الحالتين، هناك نقطة مهمة يجب الانتباه إليها: لا شيء مضمون.
- في النهاية، الأمر يعتمد على التوقعات. فالناس تشتري الذهب بسعر يعكس توقعاتها لمستقبل التضخم وأسعار الصرف، مما يجعل الاستثمار فيه لعبة توقعات أكثر من كونه ضمانًا أكيدًا ضد المخاطر الاقتصادية. أسعار الذهب المحلية في تركيا، على سبيل المثال، تعكس بشكل واضح رؤية الناس لمستقبل العملة والتضخم.
كيف تؤثر توقعات التضخم وأسعار الصرف على الفجوة بين السعر المحلي والعالمي للذهب؟
أكد هذا المفهوم بطريقة مختلفة آلان جرينسبان، الرئيس السابق لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، عندما قال في شهادته أمام الكونجرس في فبراير 1994 إنه يعتبر أسعار الذهب مؤشرًا قويًا لمعدل التضخم المستقبلي. المهم هنا هو توقعات الناس لمستقبل التضخم وأسعار الصرف، إذ أنها تلعب دورًا أساسيًا في نشوء فجوة بين السعر المحلي والعالمي للذهب.
- فكلما كانت التوقعات أكثر تشاؤمًا، زاد الإقبال على شراء الذهب محليًا، مما يؤدي إلى اتساع الفجوة بين السعر المحلي والسعر العالمي، خاصة إذا كانت هناك قيود على استيراد الذهب.
- والأمر الخطير في هذه التوقعات هو أنها قد تكون مبالغًا فيها أو أكثر تشاؤمًا من اللازم. ففي حال تحسن الأوضاع الاقتصادية واستقرار التضخم وأسعار الصرف عند مستويات معقولة، فمن المحتمل أن يتراجع سعر الذهب المحلي ليقترب من مستواه العالمي.
- وهنا تكمن المخاطرة، إذ أن الأشخاص الذين اشتروا الذهب بأسعار مرتفعة نتيجة الفجوة السعرية قد يجدون أنفسهم في خسارة تعادل على الأقل قيمة الفجوة التي دفعوها عند الشراء.